Bodour Al Qasimi
6 min readOct 29, 2022

--

البيانات ودورها المتزايد في قطاع النشر العالمي

في العام 2017، اشترك الاتحاد الدولي للناشرين مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) في إصدار سلسلة من التقارير السنوية حول حالة قطاع النشر. ومع إطلاق النسخة الخامسة من تقرير قطاع النشر العالمي في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، أود التأمل في الاتجاهات السائدة، ومناقشة أسباب زيادة الاهتمام بالبيانات بالنسبة لصناعتنا، وكيف يمكن لمنظومة النشر العمل معاً لتعزيز آلية جمع البيانات وجودتها في المستقبل.

منذ أواخر العام 2020، توليت قيادة سلسلة من الحوارات عبر الاتحاد الدولي للناشرين، تناولت التأثير المتطور للجائحة العالمية على جمعيات النشر والناشرين. وتم تعزيز البحث بالتشاور مع أكثر من 80 شخصية من كبار التنفيذيين العاملين في صناعة النشر من أكثر من 30 بلداً حول العالم، يمثلون نحو 70% من سوق النشر العالمي. وتم إعداد ثلاثة تقارير بناءً على هذا البحث الأولي الشامل، حملت عناوين: “من الاستجابة إلى التعافي: تأثير جائحة كوفيد-19 على صناعة النشر العالمية”، و”كيف يمكن لقطاع النشر الدولي تحويل مجالات التضامن إلى فرص”، و”التزام جماعي بمستقبل مستدام ومرن وشامل”.

ويأتي تقرير صناعة النشر العالمية لعام 2021 والصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) كمساهمة مرحب بها لإثراء هيكلية البحث حول تداعيات الجائحة على قطاع النشر العالمي.

دعوة للنهوض وإدراك الحاجة إلى المزيد من بيانات النشر

مثّلت الجائحة العالمية دعوة لاتحادات النشر الوطنية ودور النشر للنهوض وإدراك أهمية بيانات النشر لأجل دعم هذا القطاع. فقد توصل تقرير الاتحاد الدولي للناشرين إلى أن برامج التحفيز التي أطلقها قطاع النشر استجابة للجائحة العالمية كانت نادرة. ويكمن أحد الأسباب وراء ذلك إلى أن العديد من النظم البيئية للنشر لم تكن قادرة على تحديد مدى حجم مساهماتها الاقتصادية والتأثيرات السلبية للجائحة على الصناعة وسلسلة القيمة لأجل تقديم ملفها للحصول على الدعم الحكومي. وجاء تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) حول قطاع النشر لعام 2021 كمصدر بالغ الأهمية لتزويد قطاع النشر ببيانات رفيعة المستوى لتقديمها إلى المعنيين والمهتمين بالصناعة.

وكشف الوباء مدى أهمية البيانات في توجيه نظر الحكومات إلى أهمية قطاع النشر. ففي وسط الجائحة، بات من الواضح مدى حاجتنا إلى المزيد من البيانات لدفع النشر إلى صدارة البرامج الحكومية حول العالم وحشد الدعم لتحديد الأولويات الأساسية. وتُعتبر استراتيجيات الدعم القائمة على البيانات عناصر أساسية للنهوض بقضايا قطاع النشر مثل التشجيع على القراءة، والقرصنة الرقمية، وسياسة المنافسة، والضرائب، وتعزيز التعاون بين أطراف الصناعة.

على سبيل المثال، دعا تقرير الاتحاد الدولي للناشرين في العام 2020 والذي حمل عنوان “من الاستجابة إلى التعافي” إلى إنشاء مبادرة تضم العديد من المعنيين لتعزيز التضامن بين مكونات منظومة قطاع النشر والتعافي السريع على مستوى القطاع. وجاء إطلاق الميثاق الدولي لتعزيز استدامة ومرونة قطاع النشر (InSPIRe) من قبل الاتحاد استجابة لهذا النداء، وقاد إلى إعداد سلسلة من التقارير البحثية الأساسية الغنية بالبيانات. وحددت التقارير التدخلات والشراكات المستهدفة في إطار مبادرة (InSPIRe) لتسريع تعافي قطاع النشر، وأثمرت عن إطلاق أول منصة تدريبية عالمية لقطاع النشر على شبكة الإنترنت تحت اسم أكاديمية الاتحاد الدولي للناشرين.

وعلى صعيد شركات النشر، تكتسب كفاءات البيانات والتحليلات أهمية متزايدة في مرحلة ما بعد الجائحة، حيث تمثل إمكانات البيانات والتحليلات عنصراً حاسماً في المنافسة على الاستجابة لسرعة التحول الرقمي وتطور سلوك المستهلك. على سبيل المثال، يتطلب العنوان، وسلسلة التوريد، والقرارات التنافسية توافر بيانات فورية وفي الوقت الحقيقي. ونشهد اليوم أيضاً مبادرة المزيد من الناشرين إلى مشاركة البيانات مع المؤلفين لتنمية قاعدة جمهورهم وتعزيز تسويق الكتب واستراتيجيات المبيعات.

رؤى جديرة بالاهتمام من تقرير قطاع النشر العالمي 2021

أبرز تقرير الاتحاد الدولي للناشرين والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) حول حالة قطاع النشر بعض المواضيع التي من المهم تسليط الضوء عليها. فعدم التوازن في قطاع النشر العالمي يعني أن أسواق النشر في الدول المتقدمة قد استعادت عافيتها بقوة، فيما لا تزال باقي الأسواق تعاني. وفي الوقت ذاته، لا تزال الآثار طويلة المدى للتحول الرقمي والتسارع الناجمين عن الجائحة غير واضحة.

فقد شهدت أسواق النشر في الدول المتقدمة، مثل فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، تراجعات كبيرة في السوق خلال موجة الجائحة الأولية، لكنها ما لبثت أن انتعشت بسرعة منذ ذلك الحين. ووفقاً لبيانات صناعة النشر العالمية في تقرير عام 2021، فقد سجلت بعض الدول نمواً سوقياً مضاعفاً خلال فترة ما بعد الوباء، مثل الولايات المتحدة (+14٪)، وإيطاليا (+12٪)، وفنلندا (+12٪)، وفرنسا (+13٪)، والبرتغال (+15٪).

وبشكل عام، فإن البلدان التي تتمتع بأسواق محلية ضخمة، واقتصادات رقمية ناضجة، وأسواق نشر تجارية أكبر حجماً، وحكومات تدعم الصناعات الثقافية من خلال حزم التحفيز، تعافت بشكل أسرع. ومع ذلك، لا تزال أسواق النشر الأقل تطوراً تسير على طريق الانتعاش — بما في ذلك الأسواق التي تنخفض فيها القوة الشرائية للمستهلكين، ويؤدي انخفاض قيمة العملة المحلية فيها إلى تآكل الدخل، وتعتبر الكتب فيها سلعاً كمالية. كما تواصل التحديات العالمية الكبرى مثل أزمة سلسلة التوريد المستمرة، والتضخم غير المسبوق، التأثير على سرعة تعافي قطاع النشر العالمي في بعض البلدان.

ودفعت الجائحة الناشرين، الكبار والصغار، للخضوع إلى عملية التحول الرقمي. ففي فترة ما قبل الجائحة، كان العديد من الناشرين، ولاسيما الصغار منهم، يعتمدون بشكل مفرط على عميل واحد، أو قناة بيع بالتجزئة، أو قطاع، أو تنسيق كتاب، أو قناة تسويق، أو يتعرضون لمخاطر مشكلات سلسلة التوريد. وتمثل الاتجاهات الرقمية المتسارعة مثل الكتب الصوتية، وتقنية التعليم، والاكتشاف والشراء عبر الإنترنت، تحدياً أمام الناشرين للتكيّف معها. على سبيل المثال، استنتج تقرير صناعة النشر العالمية في العام 2021 أن الكتب الرقمية والمسموعة تحقق الآن أكثر من ثلث إجمالي الإيرادات في فنلندا (33.2٪)، واليابان (37.8٪)، والسويد (32.9٪).

ولسوء الحظ، أسهمت قدرة النظم البيئية للنشر على متابعة التحول الرقمي والاستجابة لاتجاهات الرقمنة في تعافي الصناعة متعدد المسارات. كما لا يزال من غير الواضح كيف من الممكن أن يؤثر التسريع الرقمي على قراءة المستهلك واتجاهات الشراء على المدى الطويل.

كيف يمكن لقطاع النشر العالمي تحسين جودة البيانات وتعزيز تأثيرها

تُعد الشراكة القائمة بين الاتحاد الدولي للناشرين والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) مثالاً مناسباً على الشراكات متعددة القطاعات اللازمة للارتقاء بجودة بيانات قطاع النشر العالمي ومدى تأثيرها. بيد أن أحد التحديات المستمرة يتمثل في الحاجة إلى تنمية القدرات في أسواق النشر النامية من أجل جمع البيانات الوطنية التي تخص قطاع النشر وإعداد تقارير بشأن هذه البيانات فضلاً عن توفير التعاون القطاعي فيما يخص البيانات.

وتُعتبر جهود جمع البيانات وإعداد تقارير بشأنها بشكلٍ فعّال أمراً معقداً نظراً لوجود الروابط بين الناشرين، وتجار التجزئة، وجمعيات النشر، وسلطات الجمارك، وذلك لضمان جودة البيانات وتغطيتها. يتضمن تقرير قطاع النشر العالمي في عام 2021 بيانات من 22 دولة من أصل 74 دولة يمثلها أعضاء الاتحاد الدولي للناشرين. كما أن هناك حاجة ماسة إلى برنامج لتنمية القدرات والذي يشمل سلطات إعداد البيانات الإحصائية، والناشرين، وتجار التجزئة، وجمعيات النشر، وغيرهم من أصحاب المصلحة في مجال النشر لتوسيع نطاق تغطية البيانات وتحسين جودة هذه البيانات وتأثيرها.

وسبق للاتحاد الدولي للناشرين العمل مع “نيلسين بوكسكان” في مشروع تجريبي في نيجيريا وكينيا لاستكشاف تنفيذ جمع بيانات نقاط البيع. وأظهرت هذه المشاريع التجريبية أن متطلبات نجاح نهج جمع البيانات في نقاط البيع تشمل تعاون تجار التجزئة، وإعداد قائمة محدثة بالعناوين، ودعم الحكومة وجمعيات النشر لتمويل مشروع جمع البيانات ومعالجتها. وهذه الروابط بين تلك المنظومات تُعد مطلوبة لجمع البيانات وتوفيرها على مستوى البلد بالكامل.

هناك حاجة أيضًا إلى تحسين بيانات المبيعات عبر الإنترنت والتي تتضمن بيانات مبيعات الكتب الإلكترونية، ومقاطع الصوت، والطباعة عبر الإنترنت من تجار التجزئة. كما تم إطلاق بعض خدمات الاشتراك في البيانات الناشئة ومنصات التحليلات التي توفر بيانات المبيعات في الوقت الفعلي، حيث توفر هذه البيانات لمحة عن اتجاه القطاع. وتُعد عملية جمع بيانات نقاط البيع والمبيعات عبر الإنترنت وتحقيق الدخل منها وسيلة مثيرة للاهتمام لجمعيات النشر لاستكشافها لتنويع الإيرادات مع توفير الدعم للأعضاء. ودفعت الجائحة أعضاء الاتحاد الدولي للناشرين في هذا الاتجاه، وأعتقد أننا سنرى المزيد من جمعيات الناشرين الوطنية التي تشارك في جمع البيانات وتحقيق الدخل.

في الوقت ذاته، يولي الاتحاد الدولي للناشرين أهمية لبناء منظومات لجمع البيانات، لكنه يحتاج إلى تزويد الناشرين بالإمكانيات التي تتيح لهم الاستفادة من البيانات في صنع القرار الاستراتيجي للأعمال. كما أن الناشرين الصغار والناشرين في البلدان ذات الاقتصادات الرقمية المتطورة أقل استعداداً لاستخدام البيانات على أكمل وجه. وكان الناشرون الصغار والناشرون في الأسواق الناشئة قبل الجائحة قد باشروا في إجراء حوار حول الحاجة إلى تحسين بيانات قطاع النشر.

وركزت حلقات المناقشة التي نظمها الاتحاد الدولي للناشرين على المستوى الإقليمي، في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بشكل قوي على الحاجة إلى المزيد من البيانات على مستوى السوق وكذلك إلى بناء القدرات على مستوى الناشرين الأفراد لصنع قرارات قائمة على البيانات. وفي ظل عدم توفر البيانات، يتعيّن على الناشرين الصغار والناشرين في الأسواق الناشئة الاعتماد على اتخاذ القرارات بناءً على الحدس، والملاحظة، والتخمين.

وتحظى البيانات عالية الجودة بأهمية بالغة للقطاعات الناشئة على أساس القضايا التي يواجها القطاع. على سبيل المثال، تستخدم “ببلش هير” (PublisHer)، وهي منصة تم إطلاقها في عام 2019 للمديرات التنفيذيات العاملات في قطاع النشر بغية معالجة تحديات تنوع النشر والإدماج طويلة الأمد، البيانات التي تجمعها من النقاشات خلال الفعّاليات الأدبية لتطوير منظور عالمي حول التحديات ذات الأولوية التي يواجهها أعضاؤها. وتتيح البيانات لمنصة “ببلش هير” إمكانية تحديد برامج مستهدفة والمشاركة في تطويرها لمعالجة التحديات المعقدة والمنهجية للتنوع والإدماج في قطاع النشر من خلال اتباع منهجيات مبتكرة وجديدة يستخدمها أعضاء المنصة.

البيانات عامل رئيس للتعافي الكامل في قطاع النشر

شهدنا لحظاتٍ صعبة وعصيبة في تاريخ قطاع النشر العالمي أثبت مدى أهمية البيانات لضمان مستقبل قطاعنا. فربما يكون السبب الأكثر أهمية فيما يتعلّق بتحسين عملية جمع البيانات في أسواق النشر العالمية متمثلاً في توفير الدعم لزملائنا من العاملين في قطاع النشر ممن لا يزالون يكافحون من أجل الحصول على دعم موجهاً لهم بشكل أكثر دقة.

وفي الوقت الذي تعافت فيه بعض الأسواق، من المهم التركيز على أن العديد من زملائنا لا يزالون يكافحون للحصول على الدعم. فالوصول إلى المزيد من البيانات يعني أنه يمكننا ضمان تعافي قطاع النشر العالمي على نحوٍ متساوٍ.

--

--

Bodour Al Qasimi

President of International Publishers Association; Founder and CEO of Kalimat Group, Kalimat Foundation and PublisHer network to empower women in publishing.