Bodour Al Qasimi
6 min readDec 2, 2021

--

العاصفة العارمة: أزمة سلسلة التوريد تضرب أسواق الكتاب

“هل تلوح في الأفق نُذُرُ أزمة على صعيد إمدادات الورق؟” كان هذا سؤالاً طَرَحَته عَلَىَّ المذيعة سالي بندوك خلال مقابلة أجرتها معي مؤخراً على شبكة بي بي سي، وكانت إجابتي باختصار هي نعم. غير أنه من المهم إدراك أن إمدادات الورق ليست التحدي الوحيد الذي يواجه قطاع النشر في خضم تداعيات أزمة سلسلة التوريد العالمية. ونظراً لضيق الوقت الذي كان متاحاً للإجابة على هذا السؤال خلال المقابلة، فقد ارتأيت تخصيص مقالي الشهري لتقديم إجابةٍ أكثر تفصيلاً.

في أواخر عام 2020، كان الاتحاد الدولي للناشرين يشهد دلائل تحذيرية مبكرة تشي بأن الوباء العالمي في طريقه للتأثير بقوة على سلسلة التوريد الخاصة بقطاع النشر. ومع تسارع عجلة الانتعاش الاقتصادي بعد الجائحة، بدأنا نشهد حالياً أدلةً متزايدة على أن أزمة سلسلة التوريد العالمية الأوسع نطاقاً تُفَاقِم من التحديات الخاصة بسلسلة التوريد التي واجهتها صناعة النشر في ذروة أزمة جائحة كوفيد-19. ومن المثير للقلق أن ظهور المتحور الجديد لفيروس كورونا “أوميكرون” تركنا أمام سيناريوهات مفتوحة وتداعيات لم تتضح ملامحها بعد.

مؤشرات تحذيرية مبكرة

أطلق الأعضاء خلال مشاوراتهم الخاصة بتقرير الاتحاد الدولي للناشرين الذي حمل عنوان “من الاستجابة إلى التعافي”، العديد من التحذيرات حول التحديات المستمرة التي تواجهها سلسلة التوريد. وقد أبلغ أعضاء الاتحاد في أواخر عام 2020 عن حالات تأخير في عمليات الطباعة بسبب نقص الورق والمواد الخام. كما اشتكوا أيضاً من عدم انتظام سير شحنات الكتب بسبب اضطرار شركات النقل للمناورة من أجل تخطي تدابير إغلاق الحدود وحالات الازدحام بالموانئ والتي أربكت خطط المخزون والمهل الزمنية ذات الصلة. وأوضحوا أيضاً كيف كان للتحديات الخاصة بمجال الطباعة والنقل تأثيراتٌ متلاحقة أدت في نهاية المطاف إلى نقص المخزون في المكتبات ومنافذ التجزئة الأخرى.

لعل أحد أهم الدروس المستفادة خلال العام 2020 هو أن وجود أي نقطة ضعف على امتداد سلسلة توريد الكتب يؤثر سلباً على مجمل قطاع النشر. وقد واجه القطاع هذه التحديات، التي كان يُعْتَقَد أنها مؤقتة، عبر مجموعة من الحلول التكنولوجية المبتكرة لتسهيل الوصول إلى الأسواق. واليوم، نشهد عودة مضاعفات أزمة سلسلة التوريد العالمية على توريدات مستلزمات الطباعة والورق والشحن والخدمات اللوجستية. ويبدو أن التوقعات ترجح أن يكون لأزمة سلسلة التوريد العالمية آثار طويلة الأجل على سلسلة توريد الكتب، وقد تستمر حتى عام 2023. غير أن الحلول المطروحة للتعامل مع هذا الموقف المتأزم تبدو اليوم أقل وضوحاً.

قطاع النشر العالمي في خضم العاصفة العارمة

أشرت ضمن إحدى مقالاتي في فبرابر الماضي إلى الأسباب التي جعلتني أعتقد أن عام 2021 سيكون عام الانتعاش لقطاع لنشر العالمي وأنه سيشهد مزيداً من التضامن بين أطرافه الرئيسية للارتقاء إلى مستوى التحديات المشتركة. وقد صحت تلك التوقعات المتفائلة إلى حدٍ ما في ضوء إطلاق مبادرات مثل الميثاق والخطة الدولية لتعزيز استدامة ومرونة قطاع النشر (المعروفة اختصاراً باسم INSPIRE) والتي نجحت في تحفيز التعاون والحوار الذي طال انتظاره بين مختلف الأطراف الفاعلة على مستوى قطاع النشر. كما وقع أكثر من 50 من الأطراف المعنية بقطاع النشر خلال عام 2021 على الميثاق (Inspire Charter) وتعهدوا بالعمل على تعزيز التعاون ودعم مسيرة تعافي القطاع.

شهدت العديد من أسواق النشر الأكثر تطوراً انتعاشاً قوياً بسبب ارتفاع المبيعات لمستويات قياسية، وبدأنا في مشاورات مكثفة على مستوى القطاع تستهدف النهوض بالعمل الجماعي والتعاون في مواجهة التحديات المشتركة الخاصة بقضايا الاستدامة والمرونة بفضل خطة Inspire. ومع ذلك، فإن أزمة سلسلة التوريد العالمية تسببت في عاصفة عارمة ضربت سلسلة التوريد الخاصة بأسواق الكتب على نحوٍ ربما يهدد مسيرة تعافي القطاع ويؤكد على ضرورة الإسراع في وضع آليات تعاونية عملية وشاملة.

تشهد إمدادات المواد الخام للطباعة نقصاً عالمياً، ويؤدي نقص ورق الكتب، الناجم عن نقص إمدادات لب الخشب المستخدم في صناعته، إلى ارتفاعٍ مطرد في الأسعار قد يستمر حتى عام 2023. ففي الصين، التي تعتبر أحد أهم الموردين العالميين للب الخشب، أثمرت الجهود المبذولة للحد من التلوث إلى تراجع عمليات مصانع اللب والورق وأجبرت الكثير منها على الإغلاق. كما أدت التحولات الهيكلية الأخرى التي سبقت الجائحة — مثل التوجهات المناهضة لاستخدام البلاستيك — إلى زيادة الطلب على البدائل الورقية. وفي نفس الوقت، ومع الازدهار الحالي للطلب عبر الإنترنت، أدى تنامي الطلب على الصناديق الكرتونية إلى تحول مصانع اللب والورق إلى إنتاج الكرتون ومستلزمات التعبئة والتغليف بدلاً من أنتاج ورق الكتب. وإلى جانب ذلك، ترتفع تكلفة أحبار الطباعة بشكلٍ متواصل، نتيجة المبادرات البيئية الصينية التي استهدفت أيضاً موردي المواد الخام لحبر الطباعة. وتأتي تلك التطورات في وقتٍ يبذل فيه قطاع النشر مزيداً من الجهود للمساهمة في التصدي للتغير المناخي والاضطلاع بدورٍ أكبر في دعم مبادرات التنمية المستدامة.

بالمثل، يواجه قطاع النشر العالمي أيضاً تحدياً على صعيد أنشطة وعمليات الطباعة. حيث أدت التطورات الذي شهدها القطاع على هذا الصعيد، مثل ارتفاع تكاليف دخول السوق واحتدام المنافسة على العمالة المتخصصة، إلى مواجهة العديد من البلدان لتحديات كشفت ضعف قدراتها المحلية. ورغم تركز عمليات طباعة الكتب غالباً في آسيا للاستفادة من انخفاض تكاليف التصنيع، فإن ارتفاع تكاليف الشحن والخدمات اللوجستية على مستوى العالم جعل نموذج العمل هذا غير مجدٍ. يتجاوز الطلب الراهن على الكتب المطبوعة قدرات مجال الطباعة عالمياً — وهو وضع من المرجح أن يستمر نظراً لحالة الغموض وعدم اليقين والتقلبات الشديدة التي تؤثر على قرارات الاستثمار في هذا المجال.

نواجه حالياً أزمةً أخرى تتعلق بالحاويات والخدمات اللوجستية. حيث تسبب الطلب الكبير على شبكات الشحن والتوزيع على مستوى العالم في ارتفاع تكاليف نقل البضائع إلى مستويات غير مسبوقة. ويعزى هذا الاضطراب الذي ضرب سلسلة التوريد العالمية إلى عدة عوامل منها ازدحام الموانئ ونقص حاويات الشحن وقلة العمالة في أنشطة النقل بالشاحنات والتسليم للوجهة النهائية. وتجسدت محصلة تلك العوامل في ارتفاع تكاليف الشحن والتخزين لجميع المنتجات، بما في ذلك الكتب، فضلاً عن حالات التأخير الواسعة وغير المتوقعة التي تواجهها سلاسل التوريد والتي تؤثر بدورها على خطط إدارة وتجديد المخزون.

التأثيرات على الناشرين والقراء وتجار التجزئة

أعتقد أننا سنبدأ في رؤية تداعيات أزمة سلسلة التوريد العالمية على قطاع النشر بشكل أكثر وضوحاً بحلول نهاية العام الجاري. ومن المتوقع أن يكون التأثير ضئيلاً بالنسبة للناشرين الذين انتهوا بالفعل من طباعة إصداراتهم أو تم تنفيذ عمليات الطباعة والشحن الخاصة بهم خلال أيام العطلات. وعلى الجانب الآخر، فإن بعض الناشرين الذين لم يتوقعوا الأزمة الحالية بدأوا في تأجيل مواعيد إطلاق إصدارتهم بسبب مشكلات تتعلق بالقدرات والمتأخرات، فضلاً عن زيادة المهلة الزمنية لإعادة الطبع لمددٍ كبيرة وصلت إلى عدة أشهر.

سيؤدي ارتفاع تكاليف المدخلات الرئيسية لصناعة النشر أيضاً إلى زيادة تكاليف التشغيل بالنسبة للناشرين خلال عام 2022. وسيصبح من المهم بشكل متزايد للمؤسسات والأطراف الفاعلة في قطاع النشر إدارة نقاط الضعف على امتداد سلسلة التوريد لضمان وصول الكتب إلى القراء. وسيقع على عاتق جميع الناشرين، على اختلاف أحجامهم، تطوير القدرات في مجال التخطيط للطوارئ الخاصة بسلسلة التوريد لضمان المرونة اللازمة لتجنب النقص في الكميات المعروضة من الكتب وتفادي التأخير. وبالتوازي مع ذلك، قد يؤدي ارتفاع تكاليف الطباعة والورق والحبر والعمالة إلى دفع القطاع بوتيرة أسرع نحو الرقمنة والأتمتة وهو ما يعني أن دور التحول الرقمي في دعم استدامة القطاع ومرونته قد أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.

من المرجح كذلك أن ترتفع الأسعار النهائية للكتب في عام 2022 في ضوء الزيادة الكبيرة في تكاليف تصنيع المدخلات والنقل والتخزين وتأخر وصول الكتب على امتداد سلسلة التوريد. ومما يثير القلق أن طبيعة التأثيرات الناجمة عن الزيادة في أسعار الكتب على حجم الطلب لا يزال غير معروف. وفي ظل هذا المناخ، ربما يواجه تجار التجزئة أيضاً مشكلات تتعلق بالمخزون في حالة عدم قدرتهم على قياس الطلب بناءً على المعطيات المستقاة من حجم الطلب الأولي أو عند الحاجة إلى إصدار طبعات جديدة من كتب صنفت — خلافاً للتوقعات — ضمن الأكثر مبيعاً.

جهود الاتحاد الدولي للناشرين

أصبح من الواضح الآن أكثر من أي وقت مضى مدى الحاجة إلى التضامن الشامل لمواجهة التحديات المنهجية المتعلقة بسلسلة التوريد والتي يواجه قطاع النشر جانباً منها حالياً، وبناء القدرات اللازمة لضمان المرونة والاستدامة لمستقبلية للقطاع على مستوى العالم. وقد سعى الاتحاد الدولي للناشرين على مدار العام المنصرم عبر مبادرة Inspire إلى وضع أسس متينة للتضامن على مستوى القطاع انطلاقاً من اعتقاده الراسخ بأن الاتحاد والتكامل قوة. حيث تعكف كل من كاريني بانسا، نائبة رئيس الاتحاد الدولي للناشرين، من خلال موقعها في رئاسة مجموعة العمل المعنية بالاستدامة المنبثقة عن اللجنة المعنية بالشمول في مجال النشر ومحو الأمية (Publishing and Literacy Committee)، وميشيل كولمان، رئيس اللجنة، على صياغة حلول وآليات كفيلة بالتصدي للتحديات المتعلقة بمرونة سلسلة التوريد الخاصة بقطاع النشر.

الجهود الفردية من جانب أي طرفٍ على امتداد سلسلة القيمة لا يمكنها تقديم حلول ناجعة لمواجهة التحديات القائمة، وهذا يعني أن التضامن هو السبيل الوحيد للمضي قدماً وإحراز تقدم ملموس في هذا الصدد. وفي هذا السياق، ينظم الاتحاد الدولي للناشرين ندوة في شهر فبراير المقبل لمناقشة حلول جماعية لمعالجة آثار أزمة سلسلة التوريد العالمية على قطاع النشر… فكونوا بالانتظار.

--

--

Bodour Al Qasimi

President of International Publishers Association; Founder and CEO of Kalimat Group, Kalimat Foundation and PublisHer network to empower women in publishing.